السلام عليكم ورحمة الله :
تـقــديـــم
عرف تدريس الرياضيات بالمغرب خلال العقود الأخيرة عدة إصلاحات مست جميع جوانبه, سواء على مستوى المداخل أو على مستوى اختيار المحتويات أو على مستوى المقاربات الديداكتيكية ... و من أهم ما يميز الإصلاح الأخير على المستوى البيداغوجي, كونه اعتمد على مقاربة ترتكز على تنمية الكفايات.
لقد تم اعتماد المقاربة بالكفايات مدخلا من مداخل إصلاح منظومتنا التربوية ككل, في إطار البحث عن طرق أجرأة ما جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين , وانسجاما مع الرغبة في مواكبة التطور السريع والمتواصل في مجالات المعرفة, بالإضافة إلى الإدارة في تجاوز السلبيات والنقائص التي خلفها تبني بيداغوجيا الأهداف.
وتهدف هذه الورقة إلى إثارة النقاش حول موضوع الكفايات في تدريس الرياضيات من أجل تدقيق الجوانب العملية الخاصة بهذه المقاربة, ورسم معالم التحول المأمول وانعكاساته الإيجابية الضرورية على مستوى المردودية والجودة المطلوبة في تدريس الرياضيات بالتنعليم الثانوي بشقيه التأهيلي والإعدادي .
من التدريس بالأهداف إلى المقاربة بالكفايات
على الرغم من المكتسبات الهامة لبيداغوجيا الأهداف التي تم اعتمادها في منظومتنا التربوية, في مرحلة سابقة, نتمركزها حول سلوكات المتعلم . إلا أن هذه المكتسبات لم تمنع من بروز بعض النقائص والعيوب لهذا النموذج, قلصت من فاعليته, لعدة أسباب نذكر منها :
** الاهتمام المفرط بالقياس الكمي للمعارف لتحقيق الأهداف .
** تجزيء الفعل التعليمي وتفتيت مقاطعه عبر اففراط في اشتقاق الأهداف ومستوياتها لمتعددة .
** التركيز على الأشكال الدنيا من السلوك بكيفية تتيح أجراتها وقياسها, على حساب الأشكال العليا .
** عدم الاهتمام بالشروط التي يتم بها اكتساب المعرفة .
وللملاحظة فهذه النقائص ليست خاصة بالمنظومة التربوية المغربية فقط, وإنما بكل المنظومات التربوية التي تبنت بيداغوجيا الأهداف. وانطلاقا من الانعكاسات السلبية لهذه النقائص, ولمحاولة تجاوزها, ظهر مفهوم بيداغوجيا الإدماج والمقاربة بالكفايات لتطوير مسارات الفعل التعليمي / التعلمي . ومن المبادئ الأساسية التي ينبني عليها :
¤¤ التمركز حول المتعلم, باعتباره الفاعل الأساس في كل نشاط تربوي .
¤¤ اعتماد مبدأ التخفيف, بتناول حد أدنى من المعلومات التي تعتبر أساسية لمتابعة أي تعليم أو تكوين .
¤¤ مبدأ الإدماج, بتمكين التلميذ من استثمار مكتسباته بطريقة مدمجة, عوض استرجاع ما تم تخزينه في ذاكرته بصورة تراكمية .
¤¤ مبدأ النجاح المستحق, بضرورة تقبل أخطائه والعمل على تصحيحها, من خلال البحث عن أسبابها لتفاديها .
الكفاية والمفاهيم المجاورة لها
إن الحديث عن مفهوم الكفاية, باعتبارها مصطلح حديث التداول في أدبيات علوم التربية, يجعلنا نصطدم بعدة مصطلحات ومفاهيم تتداخل معه, بشكل أو بآخر. كما هو الأمر بالنسبة للمهارة, والاستعداد, والقدرة, والهدف, والسلوك, والإنجاز... لذلك وجب تسطير حدود تقريبية بين هذه المفاهيم ومفهوم الكفاية .
1) - المهارة Habileté : مجموعة محصورة ضمن كفايات معنية, تحين من خلال سلوكات ناجحة, وتنتج عموما عن حالة من التعلم, وهي عادة ما تهيئ من خلال استعدادات وراتية .
2) - القدرة Capacité : إمكانية النجاح, وكفاية ضمن مجال عملي أو نظري. وتدل القدرة على إمكانية أداء نشاط معين, كما تشير إلى القوة على أداء فعل ما جسديا كان أو عقليا, وسواء كان فطريا أو مكتسبا .
3) - الاستعداد Aptitude : وهو قدرة ممكنة, أو أداء متوقع سيتمكن الفرد من لإنجازه فيما بعد .
4) - الإنجاز Performance : وهو ما يتمكن الفرد من تحقيقه آنيا من سلوك محدد .
5) - السلوك Comportement أو التصرف Conduite : وهو يشمل نشاط الكائن الحي في تفاعله مع بيئته من أجل تحقيق اكبر قدر من التكيف معها .
مفهوم الكفاية
تعريف1: إمتلاك الكفاية هو أن تستطيع أن تؤدي مهمة أو مهمات بنجاح في مجال معين, وأن تعالج مشكلا بفعالية .
تعريف2: حسب Romainville et cousorts : تفيد الإدماج الوظيفي للمعارف savoirs و المهارات savoir-faire ومعرفة العيش savoir-être ومعرفة الصيرورة savoir-devenir .
بحيث أن الفرد عند مواجهةه لمجموعة من الوضعيات, فإن الكفاية تمكنه من التكيف ومن حل المشكلات, كما تمكنه من إنجاز المشاريع التي ينوي تحقيقها في المستقبل .
تعريف3: La possibilité pour un individu , de mobiliser un ensemble intégré de ressources en vue de résoudre une situation-problème quiappartient à une famille de situations . X.Roegiers, 2000, La pédagogie de l'intégration en bref, Rabat, Mars 200
من التعريف 3 السابق الذي قدمه Xavier Roegiers , يمكن أن نستكشف أهم الخصائص التي تمي ز الكفاية, مما قد يسهل صياغتها ووضع استراتيجية لتنميتها, وهي كما يلي :
*** استنفار( تعبئة ) مجموعة موارد مندمجة Mobilisation de ressources intégrées بحيث أن التمكن من الكفاية يستلزم امتلاك معارف ومهارات وخبرات وتقنيات وقدرات, تتفاعل فيما بينها ضمن مجموعة مدمجة .
*** الوظيفية Fonctionnalité : إن امتلاك التلميذ لمعارف ومهارات ومواقف يبقى دون جدوى إذا لم يستتمرها في حل مشكلة تعترضه سواء كانت مدرسية أو في حياته العامة .
*** الارتباط بمحتوى دراسي .
*** القابلية للتقويم .
وعلى العموم فإن المقاربة بالكفايات تعتمد على أنشطة متفتحة على خبرات المتعلم وعلى محيطه, فليس المهم هو تفلقي المتعلم مجموعة من المعارف والمهارات فحسب, بل إضافة إلى أن يتمكن المتعلم من توظيف ما تعلمه في وضعيات مدرسية أو وضعيات من الحياة العامة .
مفهوم الوضعية - المسألة Situation - problème .
تعد الوضعية - المسألة أنسب وسيلة لأجرأة المقاربة بالكفايات, لأنها تفيد دائما عملية بنائية يقوم فيها المتعلم بالإدماج بين تعلمات مختلفة لحل مشكل معين .
ولابد من التذكير بأنه لا توصف وضعية معينة بأنها مشكلة ما لم تتضمن عوائق بالنسبة إلى المتعلم, ومن هذه العوائق :
** أن تكون الوضعية جديدة بالنسبة للمتعلم .
** أن تتطلب من المتعلم إنتاج شيء معين أو حل مشكلة للبرهنة على تعلمه .
** أن يكون إنتاجه جديدا بحيث لا يكرر تعلمات سابقة بكيفية آلية للوضعية - المسألة وظائف عديدة, منها ما يرتبط بالمادة المدرسة, ومنها ما له علاقة بتنشئة التمعلم بصفة عامة . فبالنسبة للمادة المدرسة,يمكن للوضعية - المسألة أن تؤدي :
= وظيفة ديداكتيكية , لتحفيز المتعلم على الانخراط في بناء التعلم .
= وظيفة تعلم الإدماج .
= وظيفة تقويمية .
تنظيم التعلمات ( أنشطة التعلم ) .
في إطار المقاربة بالكفايات, يعتبر التلميذ الفاعل الأساسي في بناء التعلمات, وإدماجها من خلال وضعيات ذات دلالة . كما تعتبر القدرة على إدماج هذه التعلمات مؤشرا على امتلاك الكفاية المستهدفة . ومن الأدوات الديداكتيكية الهامة لتحقيق ذلك, الأنشطة التعلمية . وتتمثل الأنشطة التعلمية فيما يلي :
*** أنشطة تعلمية يومية Apprentissages ponctuels يعمل من خلالها التلميذ على تحقيق الأهداف المسطرة من كل نشاط .
*** أنشطة بنينة المكتسبات Structuration des acquis لتنظيم التعلمات وتوليفها .
*** أنشطة استنفار المكتسبات في حل وضعية - مسألة .
ويمكن أن نموقعها في هيكل الدروس عب ر مراحل أربعة :
*/ مرحلة التقديم .
*/ مرحلة التطوير .
*/ مرحلة التطبيق .
*/ مرحلة الإدماج .
كيفية إنجاز أنشطة الإدماج :
يتم تخطيط أنشطة الإدماج عند نهاية التعلمات المرتبطة بالكفاية . وخلال عملية الإدماج يتم تقديم وضعية - مسألة من فئة الوضعيات - المسائل المرتبطة بالكفاية , يتم البحث عن حل لها من طرف جميع التلاميذ, أو في إطار مجموعات, وبعد تقديم الحلول يتم رصد الصعوبات الأساسية التي حالت دون بلوغ بعضهم للحل, ثم تقترح عليهم أنشطة تكميلية للرفع من مستوى أدائهم .