مفهوم الإدماج في العمل التربوي

عدد المساهمات : 7 تاريخ التسجيل : 28/12/2010

مفهوم الإدماج في العمل التربوي

الإدماج [1] في مفهومه العام يعني العملية التي نقدر من خلالها أن نحقق الترابط بين عناصر مختلفة لا يربط بينها شيء في البداية وذلك لضمان اشتغالها في تمفصل تام قصد تحقيق هدف معين.

ومن هنا فإن أهم ثلاثة مكونات للإدماج هي:

1-الترابط

2-التعبئة الحيوية وفي تناغم

3-الغائية

أما في الإطار التربوي فيأخذ الإدماج وجوها عديدة، أهمها على الإطلاق "استنفار الطالب مكتسبات مدرسية مختلفة لحلّ مشكل تطرحه وضعية دالّة، وهو ما سمّاه "XavierRogiers" بـ"إدماج المكتسبات" أو بـ"الإدماج الوضعياتي"".

واستعمال هذه الصيغة –أي الإدماج- غير غريب عن لغة العرب، فهي أصيلة وبنفس الدلالة تقريبا، ولكن ليس في المجال التربوي طبعا، وإنما في مجالات حياتية أخرى، ثم استعيرت في عصرنا الراهن من تلك المجالات لتكون مرادفا لكلمة ""intégrationالفرنسية. هذا في المصطلح المغاربي، أما المعجم التربوي المشرقي فهو يستعمل صيغة "دمج" عوضا عن إدماج، وأؤكّد في هذا المقام أن كلا الصيغتين سليم لغويا، ودال على المعنى المراد إلى حدّ كبير، غير أنّ صيغة "دمج" تستعمل كفعل لازم غالبا، بينما تستعمل صيغة "أدمج" كفعل متعدّ إلى مفعول. ويكفي على ذلك دليلا ما قاله صاحب أساس البلاغة [2] معرّفا بمعاني "دمج" و"أدمج":

"دمج الوحشي في الكناس واندمج: دخل.

قال الراعي:

غداة تراءت لابن ستين حجة … سقية غيل في الحجال دموج

ودمج الشيء دموجاً واندمج اندماجاً إذا استحكم والتأم.

قال يصف فرساً طويلاً:

شرجب سلهب كأن رماحاً … حلمته وفي السراة دموج

يقال: اندمج الثعلب في الجبة والسيلان في النصاب.

وأدمجت الماشطة ضفائرَ المرأة: أدرجتها وملستها. وله أعضاء مدمجة. وأدرج هذا الطومار وأدمجه أي شدّ أدراجه.

ومن المجاز: دمج أمرهم: صلح والتأم. وصُلْحٌ دِماج ودُماج: مُحْكَم.

وقال ذو الرمة:

وإذا نحن أسباب المودة بيننا … دماج قواها لم يخنها وصولها

أي مدمجة. ودامجتك على هذا الأمر: وافقتك عليه. وتدامجوا عليه: توافقوا. وتدامج القوم عليّ: تألبوا. ووجد البرد فتدمّج في ثيابه: تلفف. وليل دامج دامس: ملتفّ الظلام، قد دُمج بعضُه في بعض. وأدمج كلامَه: أتى به متراصف النظم. واندمج الفرس: انطوى بطنه وضمر.

قال النابغة يصف إبل الحاجّ:

قود براها قياد الشعث فاندمجت … تنكي دوابرها محذوة خدما"

فأنت ترى كيف أنّ "دمج" استعملت غالبا لازمة: (دمج الوحشيُّ…-دمج الشيءُ…-دمُج أمرهم…). بينما استعملت "أدمج" متعدية في أكثر من موطن في كلام الزمخشري: (أدمجت الماشطةُ ضفائرَ المرأة…-أدمج الطومارَ…-أدمج كلامَه…)

وعلى هذا الأساس، رشّحتُ صيغة "أدمج"، لأنها أنهض بالدلالة التي نريد إيصالها، من حيث اقتضاؤها لمفعول هو المعارف الجديدة التي يزرعها الطالب وسط معارفه القديمة. ومن الوجوه الثانوية للإدماج: -الإدماج النظري التطبيقي: بمعنى تحقيق تمفصل بين التكوين النظري والتكوين التطبيقي

-إدماج قبل تعلّمي: ويتمثل في الأنشطة الهادفة إلى هيكلة المكتسبات قبل التعلم

-إدماج ديتاكتيكي: ويعني موضعة المكتسبات حول مشروع أو مركز اهتمام.

-إدماج بين المكونين: ويتجلى في تضافر جهود عدد من المعلّمين أو المكونين الذين يتدخلون لصالح المجموعة ذاتها من الطلاب

-إدماج بين الموادّ: ويكون عبر تمفصل عدد من المقاربات (الاجتماعية،النفسية، الفلسفية..) في مواجهة وضعية معينة.

-إدماج السياق: وحقيقته تعبئة القدرات (جمع الوثائق، تحليل وضعية، تقويم ذاتي، اتصال..)في موادّ مختلفة قصد ضمان قدر أوسع وأوسع من التحكم في تلك القدرات.

ومن أهم سمات الإدماج المعرفي:

1-أن المتعلّم هو الفاعل الحقيقي في عمليات إدماج المكتسبات، ولذلك فقد عرّف المجلس الأعلى للتربية بـ"الكيباك" الإدماج المعرفي بأنه "تمشّ يزرع الطالب من خلاله معرفة جديدة وسط معارفه السابقة، ثم يعيد على ذلك الأساس هيكلة عالمه الداخلي، ويطبق معارفه المكتسبة في وضعيات حقيقية جديدة". فأنت ترى كيف أن صيغة الأفعال تحيل على الحضور الفعلي للطالب وسط كلّ خطوة من خطوات الإدماج.

2-إدماج المكتسبات خطوة مكملة للأنشطة العادية تقوم عليها وتثريها ولكن لا تلغيها.

[1] استعمل العرب قديما صيغة "الإدماج" في علوم كثيرة، ولكنها تدور في عمومها حول المعنى ذاته، من ذلك قول "الخطيب القزويني" معدّدا ضروب البديع: "ومنه الإدماج وهو أن يضمن كلاما سيق لمعنى معنى آخر فهو أعم من الاستتباع ومثاله قول أبي الطيب:

أقلب فيه أجفاني كأني ** أعد بها على الدهر الذنوبا

(الإيضاح في علوم البلاغة: 1/348)

وأما لغة فقد عرفه الجرجاني في تعريفاته فقال: "الإدماج في اللغة اللف وإدخال الشيء بالشيء يقال أدمج الشيء في الثوب إذا لفه فيه" (التعريفات: 1/30)

[2] أساس البلاغة:1/139

» مفهوم العمل الجماعي
» مفهوم التنشيط التربوي
» فيدوهات للتكوين في بيداغوجيا الإدماج من إعداد المركز الوطني للتجديد التربوي و التجريب
» العمل في مجموعات
» العمل في مجموعات