تقديم: يستأثر موضوع التمثلات
باهتمام كثير من العلماء و الباحثين في مختلف العلوم الإنسانية، لما له من قيمة
مضافة يزيدها إلى تطور العلوم عموما،وعلوم التربية بصفة خاصة. زد على ذلك أن الأخد
بعين الإعتبار لهذا المفهوم الذي سيتم تناوله بعجالة في هذه الورقة، يؤدي إلى تطور
المعارف، وتطور المتعلم،صغيرا كان أو كبيرا.في اكتسابه لهذه المعارف. إن الحديث عن التمثلات كموضوع
للتحليل، يقتضي الإنطلاق من افتراضين أساسيين هما:
1) كون عقل المتعلم ليس
صفحة بيضاء بقدر ما هو مليء بالعديد من القضايا و الظواهر و التطورات التي تدعم
تشبته بإرائه، إذ يوظف نمادج تفسيرية قد تكون ملائمة أو لا تكون ملائمة، مدعمة أو
معيقة لعملية التمدرس و عملية التعلم بنفسه.
2)
كون التعلم لا يغدو كونه مجرد إضافة معلومات جديدة، بل هو إحداث تغييرات في
البنيات الذهبية المتواجدة لدى المتعلم.
وبصدد هذا الموضوع، لا بد من التصريح
أن قضية التمثلات لها ارتباط و ثيق بتعلم و اكتساب المعرفة عموما، و المعرفة
الموضوعية خصوصا،و بصفة أخص تعليم وتعلم العلوم، و الذي يعاني من قصور كبير لدى شرائح واسعة من الناس و ذلك من حيث:
- صعوبة استيعاب المعرفة
العلمية.
-النسيان السريع للمعرفة العلمية.
- صمود أفكار خاطئة لدى المتعلم في
وجه ضغوطات التدريس عبر المستويات.
بعد هذه المقدمة السريعة، لا بد من
التذ كير ببعض الملاحظات قبل التطرق إلى فقرات العرض الأخرى.
إن مفهوم التمتل يعد من أعقد
المفاهيم في العلوم الإنسانية على غرار باقي المفاهيم.
تم تناول المفهوم من قبل عدة باحثين
وعلماء، ولا يزال سيتأتر باهتمامهم منذ
عقود.
يلاحظ تباين في تاريخ ظهور
المفهوم.(شو بنهاور-دوركهايم-دوفيسكي- باشلار...)
أولا: مقاربة مفهوم التمثل:
ابن منظور.التمثل من مثل لشيء أي
صوره حتى كأنه ينظر إليه،وامتثله أي تصوره.(التشبيه)
جميل صليبا،التمثيل والتمثل
متقاربان: صورة الشيء في الذهن وقيام الشيء مقام شيء أخر.
لاروس: حضور الشيء ومثوله أمام العين
أو في الخيال بواسطة الرسم أو النحت أو اللغة.
احضار، عرض مثول أمام العين،تقديم
موضوع غائب أو مفهوم إلى الذهن.
من هذه التحديدات اللغوية، سنخلص أن
مفهوم التمثل عملية تتضمن استحضار صورة موضوع غائب إلى الذهن.أو تشبيه الشيء باخر
أو تقليد الشيء.
سأقتصر هنا على بعض التعاريف،نظرا
لكثرتها وتعقد المفهوم كذلك.لكن قبل ذلك
يستحسن التوقف عند تاريخ ظهور المفهوم أولا،وذلك على الشكل التالي:
هناك من يقول أن أول ظهور لهذا
المفهوم،كان بواسطة شوبنهاور في كتابه:
الواقع كإرادة وتمثل (1818).(في مجال
الفلسفة).
وهناك من يقول أن إيميل دركهايم هو
أول من وظفه سنة(1898)في السوسيولوجيا.
أما مطلع القرن العشرين،فقد تناوله
كل من بوانكاري و بروكلي لتأسيس كيفية انتقال الفكر قبل العلمي إلى الفكر العلمي.
ومن قائل أن ظهور مفهوم التمثلات في
مجال التربية والتعليم،فقد كان على يد الفاعلين في ميدان التكوين المستمر،إذ إن
فئة
الكبار يحملون معارف قبلية تشكل
نظاما تفسيريا غالبا ما يدفعهم إلى مقاومة المعارف الجديدة.
وأخيرا نجد من يقول إن دراسة سيرج
موسكوفيتسي الفرنسي(1961)هي التي تمثل أهم إطار للتقعيد النظري والمنهجي
لدراسة هذا المفهوم و تحديد اليات
عمله وكيفية تشكله وانبنائه ودوره في رصد الظواهر المعرفية.
بعد هذا التطور الزمني للمفهوم،لابأس
من الإنتقال إلى المعنى الإصطلاحي له،وسيتم الاقتصار على تعاريف بعض
المختصين في بعض المجالات والعلوم
ذات الصلة بالعملية التعليمية/التعلمية،حتى لانتيه في متاهات يصعب الخروج منها
سنقتصر هنا على تعريف إميل
دوركهايم،إذ يقول:"هي تصورات اجتماعية تتأسس على شكل قيم و معايير للسلوك
والتذوق والقول،إنها تتغير بتغيير الحياة
الإجتماعية. إنها تتشكل انطلاقا من الأوضاع والمواقف والميولات الثقافية
و التي تحكم رؤية المجتمع إلى العالم،كما تحكم
أنماط تفكيره وأسلوب عيشه والمعايير المعتمدة فيه حسب الأولويات.
وكأمثلة على ذلك في مجتمعنا،مجموعة
من العادات والقيم والسلوكات والاداب التي نتمسك بها ونمارسها في حياتنا
اليومية في مختلف المؤسسات
الإجتماعية التي نعيش فيها.
يختلط هذا المفهوم في علم النفس مع
مفاهيم سيكولوجية أخرى مثل:الصورة،الإدراك،الرمز...الخ
تعريف بياجي:التمتل هو تلك الصورة
الذهبية التي يستحضرها الفرد للموضوعات و العلاقات،يترجمها في شكل ملموس يمثل درجة
عالية من التصوير.
:Devicchi و giordan وglémentتعريف كل من:
"هي
معارف أولية مكتسبة خارج إطار العلوم المختصة، وبالتالي، فهي عبارة عن معلومات
عامة،استوعبها الفرد في محيطه السوسيو ثقافي:قد تفتقر،على المستوى العام، لسند
علمي يعطيها مصداقيتها و شرعيتها كمعرفة مقبولة، سواء من طرف اللجنة العلمية
المختصة، إذا كانت ترتبط بنتائج علمية جديدة لباحث في مجال اختصاص معين، أو من طرف
المعلم باعتباره المسؤول المباشر على مكتسبات المتعلمين وما ينسجم و الأهداف
التربوية المسطرة داخل النشاط التعليمي المنشود.
(structure sous
adjacente)-بنية
ضمنية
-مرتبطة بالمستوى المعرفي و التاريخي
و كذلك الإجتماعي- الثقافي للفرد.
في دراسة حول تاريخ العلوم و كذا حول
الإبستمولوجية، بقصد الوقوف على كيفية تطوير هذه العلوم و اكتسابها من قبل أكبر شريحة
من الناس، اعتبر باشلار التمثل عائقا بيداغوجيا يمنع المتعلم من امتلاك العلوم
الموضوعية، رغم أن علماء آخرين يعتبرونها أداة معرفية رغم كونها خاطئة.بهذا الصدد،
يقول:
"إن مفهوم بعض التلاميذ لشكل
الأرض و موقعها داخل الكون قد يسهل أو يعيق اكتساب بعض المعارف الجغرافية المرتبطة
بالليل و النهار وتعاقب الأوقات و الفصول.
كما يقول:"إن انتشار بعض
المعتقدات و الخرافات داخل أي مجتمع يؤدي بالفرد إلى أن تتشكل لديه عدة عوائق لا
تساعده على التعلم الجيد.
تعاريف أخرى:أرى ضرورة عرضها لتتضح
الصورة أكثر،وهي كالتالي:
1-يعني التمثل في
السوكولوجيا: بنيات معرفية ثابتة في الذاكرة البعيدةالمدى،تستعمل
لتدل على تصورات الذات حول العارف العلمية.
2-مفهوم التمتل ذو طبيعة معقدة على
غرار باقي المفاهيم الأخرى، باعتبار تعدده الدلالي وكذا تداخله مع مفاهيم أخرى
كالتصوير و التفكير و طريقة التفكير و نشاط ذهبي.
3-التمثل نشاط ذهني يتشكل في ذهن
الطفل/ التلميذ من خلال احتكاكه بمحيطه، وهو نمط تفسيري يستحضره لفك رموز الواقع و مواجهة الوضعيات- المشاكل.
4-تختلف الصور الذهنية (التمثلا ت)
التي يشكلها التلا ميذ للمفهوم الواحد باختلاف الخبرات و المدركات الحسية التي
يمرون منها و طريقة تفكيرهم و تصورهم له.
5-التمتل نشاط إبداعي ينطلق فيه
الفرد من مجموعة من المعارف و التجارب التي تقوم بإعادة بنائها و تحويلها إلى
موضوع ذهني، وهو ما يعني أن تمثلا تنا ليست مطابقة للواقع، بل هي خاضعة لتأويلا تنا
الخاصة.
6-إنها طريقة عامة في تنظيم معرفتنا
و فهمنا له، انطلاقا من المعلومات التي يتلقاها الفرد من عدة مصادر كالحواس
والخبرات و المعلومات، كل هذا ينظم في نسق عام و متماسك بكيفية تسمح للفرد بفهم
العالم المحيط به.
بعد هذه التعاريف الإصطلاحية، والتي
ساهمت في تشكيل صورة أكثر وضوحا عن المفهوم يتم الإنتقال إلى الحديث عن أنواعها.
وبهذا الصدد يمكن تقسيمها إلى نوعين هو:
-التمثلات الإيجابية: هذا النوع
يساعد ويدعم عملية تعلم المعرفة و العلم. فإذا تسلح المتعلم بتمثلات إيجابية سليمة
يسهل عليه التعلم واكتساب معارف جديدة كما يدعم بنائه للمعرفة الموضوعية (وهي
دائما نسبية).
-التمثلات السلبية: أو الخاطئة، وهي
المعيقة للتعلم و امتلاك المعرفة، ولا بأس من سرد بعض الأمثلة في مختلف الحقول
المعرفية لهذا النوع من التمثلات للإ يضاح :
- الفلسفة: كلام فارغ-إلحاد-خطاب
معقد-لا فائدة منها.......إلخ
+تمثل الدرة عند آخرين (هيزنبيرغ
مثلا).(Bohr)- تمثل الدرة عند بوهر
)+ تمثل الخلية و نواتها.....Molécules) – تمثل الجزيئات
- تمثل الضغط-الذوبان-الكتلة- القوة-
الحرارة- ..........
- الغازات ليست
مادة لأنها لاترى بالعين المجردة.- الحمل عبارة عن انتفاخ
بطن الأم من جراء إفراطها في الأكل.
- لكي تلد المرأة شبيه
شخص معين، يكفي أن تشرب الماء فوق رأسه.
- القردة أناس كانوا
يتراشقون بالكسكس.
- اللقلاق إنسان سبح في
اللبن.
- وضع الملح في مكان جمع
روث الدواب يعطي عقارب.
- تمنع بعض الأمهات
أبنائهن من حمل الغربال مخافة أن يصبحوا أغبياء.
- التيار الكهربائي قاتل
بامتصاصه لدم الإنسان، وعندما يقتل الكهرباء إنسانا، فإننا نجد قطرات دم في مخزن
العداد.
- الشمس مصباح يشتعل
نهارا و ينطفيء ليلا.
- الزلزال هو إنتقام
الأرض من الإنسان.
- عندما تنخفض الحرارة،
ترتعش الأرض و تحدث زلزالا.
- ظاهرتي الكسوف و الخسوف
كل واحد يفسرهما تفسيرا خاصا.
- يفسر الطفل ظهور ثمار
الأشجار في غير وقتها بأن الأشجار تحلم.
- لدى بعض الأطفال تتكلم
حشراة النمل بلغتنا ولكن بصوت خافت.
- تغيب الشمس لترى
أبناءها.
- سقوط المطرعبارة عن
بكاء السماء.
- تفسيرات كثيرة و تمثلات
متنوعة حول ظاهرة قوس قزح.
- لا تتوفر القنية على
أنياب لأنها حلال.
- تمثل الجنة و جهنم في
مختلف الديانات.
- يقال إن الطفل الصغير
إذا أكل كبد الدجاج فسوف يتكون لديه الخوف عند الكبر.
- إذا وضعنا البادنجان
تحت التربة مدة ، فإنه يتحول إلى عقارب.
كانت هذه التمثلات أمثلة متنوعة، مستلهمة من
مختلف حقول المعرفة، وهي لا تشكل إلا النزر القليل لمختلف التمثلات و التصورات
التي بناها الإنسان انطلاقا من تكيفه مع المحيط الذي يعيش فيه.
سبق القول،إن التمثلات هي تلك الصور الذهنية
التي يشكلها الفرد لتفسير بعض الظواهر والقضايا، والتكيف مع الواقع
و إعادة التوازن الذي قد يفقده كلما
واجه وضعية/مشكلة.
و إن أهم مصادرها هي الخبرة المكتسبة
للفرد و تاريخه الثقافي و الإجتماعي و النفسي و المعرفي، إلا أن التمثلات في
مجملها تتميز بعدة مميزات، تشكل هذه الفقرة، المجال الذي يتم فيه تناول ذلك.
1-قد تكون التمثلات عامة(كالتمثلات
الإجتماعية و الثقافية و الدينية)أو خاصة) تمثل كل فرد لظاهرة أو مفهوم أو فكرة
معينة).
2- سبقت الإشارة إلى أن التمثل قد
يكون سلبيا أو خاطئا مما يستدعى التدخل قصد العلاج والتصحيح بما هو أحسن و أقدر
موضوعية، وقد يكون إيجابيا يتطلب دعمه وتطويره و الإقتناع بأنه قابل للتطور و
التغيير أيضا.
3- التمثل يتميز بالحركة و
الديناميكية، أي إنه قابل للتطور سواء بالتعليم و التعلم أو بتطور العلوم
الموضوعية عبر التاريخ.
4- بتشكيل التمثل عموما في الوسط
الذي ينبثق فيه، فإن كان الوسط غنيا، علميا ومتطورا يكون التمثل أقرب إلى الواقع،
و العكس أيضا صحيح، إنه إذن يتأثر بالوسط المعرفي و الثقافي و الإجتماعي و العلمي
الذي ينشأ فيه.
5- هناك تشابه بين تمثلات المتعلمين
و العوائق الإبستمولوجية في تاريخ العلوم(باشلار).
6- كل فرد سواء كان طفلا صغيرا أو كبيرا،
يمتلك أنساقا معينة من التمثلات حول جميع مجالات الحياة المعرفية و العلمية.
7-يبقى التمثل نموذجا تفسيريا لدى
الفرد إلى أن يتزعزع بتمثلات أخرى أحسن و أكثر موضوعية، و يتحقق ذلك بالتعليم و
التعلم مدى الحياة.
تلكم بعض مميزات التمثلات لم يتم
التوسع فيها نظرا لضيق المجال، و لنفس السبب لن يتم التطرق إلى علاقة التمثلات ببعض
العلوم كعلاقتها بالعوائق الابستمولوجية و علاقتها بتاريخ العلوم و العلوم
الإجتماعية و بالتحليل النفسي. ويمكن التطرق إلى ذلك في المناقشة إذا سمحت الظروف
لذلك.
) تحليل لأهم مكونات مفهوم التمثلات:V
لن أطيل كذلك في هذا التحليل، ربما
يكون ذلك خلا ل المناقشة، وما أود ذكره هناهو أهم مكونات هذا المفهوم و هي كالتالي:
أ-أعتبار التمثلات بنية ضمنية: تتشكل
هذه البنية من الأنشطة الفكرية التي يقوم بها عقل المتعلم، و التي تتجسد في عملية
جمع ومعالجة وتنظيم المعطيات التي تتوافر للمتعلم من خلال وضعية معينة لكي سيتدل
عليها.فجواب المتعلم لا يهم بقدر ما تهم الطريقة التي اشتغل بها عقله.
ب- اعتبار التمثلات نموذجا تفسيريا :
النموذج هو بناء ذهني و تمثيل مبسط لجزء من الواقع ، و تستعمل في ذلك عدة عمليات
كالفهم و الإختزال و التبسيط و التمحيص و التطابق و التعميم....الخ
ج- تتأثر التمثلات بالمستوى المعرفي
: سبقت الإشارة الى ذلك.(امثلة عن علوم و علماء قديما)
د- التمثلات صورة للبيئة الإجتماعية
و الثقافية، إذ يلعب الوسط الإجتماعي و الثقافي دورا أساسيا في تحديد طبيعة تمثلات
مجتمع ما. فالعادات و التقاليد والنظم و الأعراف والقيم و الإتجاهات... كلها عوامل
تؤثر في تشكيل مرجعية يوظفها العقل في خطابه للواقع و التي تحد د الكيفية التي
يفكر بها الفرد أو الجماعة في إطار علاقاته الإجتماعية.
) أهمية توظيف التمثلات في العملية
التعليمية/التعلمية وفي اكتساب المعرفة: II
يتضح مما سبق أن التمثلات لها علاقة بالمستوى
المعرفي للفرد، و أنها نمادج تفسيرية للواقع في زمان ما ومكان ما، وأنها أيضا
أنساق معرفية اكتسبها الفرد من خلال تكيفه مع المحيط، كما أنها قد تكون سلبية
فتحتاج إلى تصحيح أو إيجابية فتحتاج إلى الدعم والتطوير.
انطلاقا من هذا، تبرز أهمية التعليم
والتعلم باعتبارهما آليات و أدوات قد تكون ناجعة أكثر في تطوير وتصحيح ودعم تمثلات
المتعلمين، المعرفية و الإجتماعية و الثقافية........إلخ
"إن أخطاء نا هي جزء من تاريخنا الشخصي بكل
ما يحمله هذا التاريخ من معرفة وتجربة وتخيلات . يقول ميشل سانر.
إن التعليم هو التصحيح الدائم
والمستمر للخطأ كظاهرة بيداغوجية، ومنطلقا نحو التدرج التطوري في طريق نباء
المعرفة العلمية، يقول باشلار: ليس هناك منهجا موضوعيا دون الوعي بالخطأ "كما
يلمح على عدم وجود معرفة دون أخطاء مصححة.
لقد أبرز تحليل تمثلات المتعلمين
انطواءها على أخطاء يجسد على حد تعبير بعض الباحثين "الهوة الفاصلة بين
المعرفة العلمية و تفكير المتعلم. وبهذا الصدد يقول كل من:
- بياجي: يمكننا الكشف عن طبيعة
التفكير لدى المتعلم عن طريق استخدام أخطاء الأطفال.
-
باشلار: إننا نعلم على أنقاض المعرفة السابقة، أي بهدف المعارف التي لم نحسن
بناءها.... بذلك وجب على المربين أن يعلموا للتلاميذ اعتمادهم على هدم أخطائهم.
ويضيف: غالبا ما اندهشت من سلوك
المدرسين الذين يتصورون أن الفكر البشري يبدأ تعلمه كما يبدأ درسا....... وقد
فاتهم أن تلميذا يأتي وهو محمل بمعارف مكتملة المعالم (في نظره).
مما سبق ذكر، يتضح دور المدرس في
الأخد بعين الإعتبار لتمثلات المتعلمين في كل مادة من المواد المدرسية لأن التمثلات
القبلية للمتعلم تشكل قاعدة مناسبة لإكتساب معارف جديدة على اعتبار أن المتعلم لا
يصدر من فراغ أثناء بناء المعارف، بل إنه
ينطلق من تمثلا ت معينة إلى تمثلا ت أخرى ذات قوة تفسيرية أكثر. لأن التلا ميذ،
ومن خلال ما يحملونه من التصورات و الأفكار، يحاولون فهم خطاب المدرس وتأويل
الوضعيات المقترحة ، إذا لم تؤخذ هذه التصورات بعين الإعتبار، فإنها تبقى على
حالتها، كما أن المعرفة المقترحة من طرف المدرس تنزلق عموما نحو واجهة التلاميذ
دون تشريبهم إياها، وما يبرز هذا القول هو إن التعلم ليس مجرد عملية تلقين ونقل
لمعارف جاهزة، ولكن أيضا سيرورة تحويل للتمثلات الأولية للتلاميذ ولكيفية اشتغالهم
الذهني عموما.
إن التمثلات معطيات تستدعي أخذها
بعين الإعتبار دائما، و تستوجب الملاءمة لتمثلات الآخرين قبل وخلال أي سيرورة
تعليمية- تعلمية.وعلى المدرس أن يكون فاعلا في خلق وبلورة هذه الملاءمة عبر وضعيات
حقيقية و متنوعية، يكون القصد منها اختبار جميع التمثلات المرتبطة على الخصوص بهذه
الوضعية المحددة. وبذلك تسهم عملية التحول"تغير المفهوم و لتحقيق مردودية
أكبر، لا بد من الوقوف لحظة قصد الربط بين المعارف القبلية للمتعلم(علمية كانت أم
عامية) والمعارف المراد تزويده بها.
إن الإشتغال على تمثلات التلاميذ
وبها، هو في الحقيقة وضع التلا ميذ ضمن وضعية تعليمية، إنه زعزعة نمودج للتفسير من
أجل أن يحل محله نمودج آخر أحسن منه، مما
يشكل تقدما بالنسبة للتلميذ يمكنه من فهم منهجية التفكير و آكتسابها، ويتحقق ذلك بتوظيف
ما يسمى: العصف الذهني أو الميتا معرفية أو
مفهوم الصراع المعرفي
والذي يعتبر أداة تسمح بتعميق
الفهم من خلال مجابهة التمثلات.
إن تحقيق ما سبق ذكره رهين بتغيير
المدرسين لنشاطهم و تعاملهم مع المتعلم و المادة المعرفية وكذا الخطأ وحمولة التلميذ،
لأن الهدف من الإهتمام بالتمثلات هي تحويلها للوصول في النهاية إلى بناءات أكثر
قربا من الواقع وأكثر من أداء في حل المسائل المستقبلية، وكذا لأن المدرسة حاليا
لا تقدم معارف جديدة فقط، بل تغير المعارف
وتعطيها صبغة جديدة، إنها تعلم الطفل الكيفية والطريقة التي ينبغي أن يعرف بها.
تلعب التمثلات أدوارا مهمة في
العملية التعليمية/التعلمية أهمها ما يلي:
1- التعرف عن الأنساق التفسيرية التي
يعتمدها المتعلم في تصوره لمادة التدريس، وهنا يعتبر باشلار أن المهم ليس هو
اكتساب معلومات جديدة، لكن المطلوب أساسا هو تقييم المعلومات القديمة، أي تفكيك
العوائق التي سبق وأن تكونت خلال الحياة اليومية والتي تعيق اكتساب المعرفة
العلمية.
2- تهيء التلاميذ وإعدادهم لتطوير
وتغيير تلك التمثلات الأولية من خلال مناقشتها وتحديد مكامن الخلل فيها و تحفيزهم
للتساؤل والبحث عن معرفة أخرى لتصحيح
أو إغناء تلك التصورات عن طريق الصراع المعرفي.
3- استثمار المدرس لحوارات التلاميذ
المتنوعة ومساعدتهم على استكشاف طبيعة تصوراتهم حول موضوع الدرس وبالتالي توجهيهم
لعقد مقارنة بين المعرفة التي انطلقوا منها في بداية الدرس والمعرفة التي انتهوا
إليها بعد المناقشات.
وقبل تناول التوظيف الديداكتيكي
للتمثلات: لا بأس من الوقوف قليلا عند تعريف التمثلات في هذا الحقل المعرفي.
"إنها بنيات فكرية تفسر انطلاقا
من تحليل المستوى، وهي أنظمة تفسيرية شخصية ونمط معرفي يختلف عن المفهوم العلمي،
إنها تكون سابقة للتمدرس، وتتميز بكونها مستد يمة ومتعددة الأصول و المصادر
ومرتبطة بسياق معلوم. إنها أيضا إجراء منهجي يمكن المدرس من الوقوف بشكل دقيق على
المعطيات والتصورات التي يكونها المتعلم حول موضوعات العالم الخارجي وظواهره.
بعد هذا التعريف، نقترب شيئا فشيئا
من الإجراءات التطبيقية والعلمية قصد التخلص من الموضوع الذي نتاوله اليوم. بهذا الصدد، سأتناول تباعا
النقط التالية:
1+ التوظيف الديداكتيكي للتمثلات.
2+ تقنيات و أساليب رصد تمثلات
المتعلمين.
3+ أمثلة مختلفة عن بعض التمثلات في
بعض المواد المدرسة في الإبتدائي.
4+ نمادج من الدروس باعتماد توظيف
التمثلات.
5+ خاتمة: وهي عبارة عن جملة من
الإقتراحات في الموضوع.
- التوظيف الديداكتيكي للتمثلات:
(I
يمكن للمدرس استثمار و توظيف تمثلات التلا ميذ في ثلات وضعيات على الأقل:
حيث يقوم المدرس بجمع المعطيات ورصد
تمثلات التلاميذ والتي لها علاقة معرفية بالمفاهيم الأساسية التي تكون هذا الدرس،
أو الوحدة التعليمية.
. خلال الوضعية التعليمية/التعلمية:
ويمكن بلورة ذلك عبر أربع
استراتيجيات هي: 1) استراتيجية التشكيك في معرفة التلاميذ وتمثلا تهم 2) استراتيججية الحوارت المتعارضة التي تعني خلق
علا قات أفقية وعمودية، بين التلاميذ للحصول على تمثلات مختلفة حول موضوع أو ظاهرة
ما.
3) استراتيجية وضعيات استكشاف التمثلات
4) استراتيجية المواجهة بين المواجهة بين المعرفة المستهدفة ومعرفة التلا ميذ.
. بعد الوحدة التعليمية أوالدرس:
باعتماد التقويم والتغذية الراجعة
للتحقق من مدى تحقيق "تغير المفهوم.
- تقنيات و أساليب رصد تمثلات المتعلمين:(II
بهذا الصدد، تتعدد هذه التقنيات و
الأساليب، سأقتصر على ذلك فيما يلي:
- إنجاز رسوم تخطيطية والتعليق
عليها.
- التعليق على نتائج تجربة ما.
- طرح أسئلة مباشرة حول مواضيع
معينة.
- التعامل مع وضعيات يتم فيها تجابه
التصورات.
- جعل المتعلمين أمام وضعيات تبدو
متناقضة.
- الإستمارة+ المقابلة+ ملاحظة القسم
وانتاجات التلاميذ الشفهية أو الكتابية.
3 أمثلة مختلفة عن بعض التمثلات في
بعض المواد المدرسة في الإبتدائي:
- السكر يختفي في الشاي ولا أراه.
- السكر يمتص الماء فيذوب، أما الخشب
فلا يمتصه ولهذا لا يذوب.
-الماء مثل الإنسان، عندما يشبع لا
يريد أن يمتص السكر أكثر.
- البطارية تحتوي على الكهرباء
ويعطيه للمصباح.
- الكهرباء هو المادة السوداء التي
توجد داخل البطارية.
-لإنزال السائل في المحرار، نقلبه.
-إذا وضعنا المحرار في ماء ساخن جدا،
فإن السائل لا يتوقف عن الصعود.
- الضوء هو عندما أرى الأشياء.
- الظل هو الخيال+ الظل يشبه الغيوم.
4- نمادج من الدروس باعتماد توظيف
التمثلا ت:
هي عبارة عن أهم مراحل الدرس في
المدرسة باعتماد التمثلات، وسأقف هنا على مثالين هما كالتالي:
مثال: 1: الموضوع: التغدية عند
الإنسان – المستوى: 5 ابتدائي.
1- للكشف عن تمثلات التلا ميذ، طرح المدرس على
التلاميذ المشكل التالي:
ما علاقة التغذ ية بالنوم؟
2- نتج على إثر هذا المشكل مناقشة أد
ت إلى خلق الصراع السوسيو- ثقافي.
3- بعد جمع وتحليل تمثلات التلا ميذ،
قام المدرس بتصنيفها على الشكل التالي:
. تتوزع الأغذية بواسطة أنانيب.
. تتوزع الأغدية عن طريق الدم
.....إلخ
4- انطلاقا من هذه المعطيات، يحدد
المدرس هدفه على الشكل التالي:
مساعدة المتعلمين على تحقيق النقلة
من التمثل الذي يقضي بعدم توزيع الأغذية أو توزيعها عن طريق الأنابيب، إلى تمثل
يفسر توزيع الأغذية بواسطة الدم.
5- يشجع المدرس التلاميذ على تعليل
تمثلاتهم ومقارنتها مع بعض الوثائق، التي يضعها رهن إشارتهم، بغية إحداث القطيعة
مع التمثل الخاطئ وقبول الصحيح.
6- ينظم مناقشة حول المعرفة المتوصل
إليها.
7- يقترح المدرس وضعية يستثمر فيها
التلاميذ المعرفة العلمية الجديدة.
مثال:2: الموضوع: اقتيات النباتات
الخضراء- المستوى : 5 ابتدائي
1- هدف الدرس: تمتص النباتات الخضراء
الماء و الأملاح بواسطة الجدور من الأرض، وتمتص ثاني أكسيد الكربون بواسطة الأوراق
من الهواء، ويمتص اليخضور الضوء قصد تركيب المادة العضوية.
2- تمثلات التلاميذ: تمتص النباتات
التربة المبللة بالماء+ تشرب النباتات الماء+ تستنشق النباتات الأكسجين مثل
الإنسان+ تختار النباتات ما تحتاجه من أغذية من الأرض.
3- العائق: تشبيه النبات بالإنسان.
4- الهدف العائق: لا تشبه النباتات
الخضراء الإنسان في بنيتها ووظائفها.
لايدعي ما سبق ذكره الإحاطة بموضوع
التمثلات، بقدر ماهو فقط إطلالة بسيطة وأرضية للنقاش، نأمل من وراء هذا الأخير
إضافات وتوضيحات أخرى بغية الإستفادة أكثر.
وقبل فتح باب النقاش وتبادل الأفكار،
أرى ضروريا تقديم بعض المقترحات علها تساعدنا أكثر و أحسن أثناء القيام بعملية التعليم
والتعلم وذلك بمقاربة تمثلاتنا و تمثلات المتعلمين.
1- ضرورة تنويع أساليب تدريسنا
وتقنيات رصدنا لتمثلات التلا ميذ، وذلك كتنويع طرح الأسئلة واللجوء إلى الملاحظة
والتجريب واختيار الوثائق، وتشجيع الصراع المعرفي والسوسيو- ثقافي فيما بين
المتعلمين. كل هذا قصد تفعيل سيرورة التغيير المفاهيمي المراد إحداثها على مستوى
التمثلات المتواجدة لدى المتعلم.
2- تحريك قابلية التعلم لدى المتعلم،
وإبراز أهمية تعلم كيفية التعلم، وذلك لضمان مساهمته في اكتساب المعرفة العلمية،
من خلال وضعيات أو أنشطة متنوعة.
3- ضرورة تنويع وضعيات المواجهة:
مواجهة المتعلمين فيما بينهم – مواجهة المتعلم والمدرس – مواجهة المتعلم
بالمعلومات – مواجهة المتعلم بالواقع.
4- تشجيع إتصال فكر المتعلم بأشكال
مختلفة من التعبير التجريدي: كالترميز و الرسم التخطيطي و النمدجة...
5- تشجيع مشاركة المتعلمين في
سيرورة صنع معرفتهم، لأن ذلك من شأنه أن
يقتنع باحداث تغيير مفاهيمي لتمثلاته.