ؤلتواصل ، في حقيقته ، علاقة مباشرة
بالآخرين ؛ إنها علاقة إنسانية وجدانية إنها علاقة " الوجود مع ، طبيعتها
عاطفية أكثر منها ذرائعية. هـيـدجـر
مقدمـة : يكتسي التواصل أهمية بالغة في قيام علاقات مادية و معرفية بين
الأفراد والجماعات. إنه ممارسة ضرورية لقطاعات متعددة، ومنها قطاع التعليم
والتربية حيث تقوم بين أطرافه المختلفة علاقات تبادل للمعرفة و يلعب
التواصل دورا كبيرا في وضع البرامج والمناهج واستمرار تماسكها. ما هو
التواصل إذن، وما هي أشكاله، ما هي العلاقات التواصلية، القائمة و الممكنة،
بين أطراف العملية التعليمية-التعلمية ؟ وما هي الشروط الكفيلة بتحقيق
كفايات لغوية وتواصلية تركز على الجانب الوظيفي للمعرفة ؟ وكيف نبني درسنا
في وضعية تواصلية ؟ تلك أسئلة نحاول الإجابة عليها من خلال هذه المحاولة . 1
- تحديـد المفاهيـم 1- 1 المعنى اللغوي : جاء في " لسان العرب " ، اتصل
الشيء بالشيء ، لم ينقطع ... و التواصل ضد التصارم ( التقاطع)1 *. و جاء في
"le Petit Robert " أن التواصل هو الإبلاغ و الاطلاع و الإخبار. أي نقل
خبر ما من شخص إلى آخر. أي إقامة علاقة مع شخص ما. كما يدل على الشيء الذي
يتم تبليغه، و الوسائل التقنية التي يتم التواصل بفضلها2 . و قد استعمل
(فعل) Communiquerأول مرة ، في اللغة الفرنسية القديمة ، سنة 1361 (ORESME)
؛ و معناه ربط الشيء بالشيء .أما المصدر : Communication ، فقد استعمل سنة
1564 ( J, Thierry). و اللفظ مشتق من اللاتينية الشعبية ، و يدل على مجموع
الوسائل و التقنيات الموظفة في نقل المعلومات بين الأفراد3. وفي رأينا ،
ينبغي التمييز بين الاتصال والتواصل من حيث الدلالة ؛ فالاتصال من فعل اتصل
يتصل .فنقول: اتصل الأستاذ بالتلميذ، واتصل زيد بعمرو، أي أقام معه صلة.
ويفيد هذا المعنى أن المبادرة تأتي من جانب واحد هو الفاعل.أما التواصل،
فهو من فعل تواصل يتواصل. نقول : تواصل الأستاذ والتلاميذ وتواصل زيد
وعمرو. ويفيد ذلك المشاركة، ما دام الفاعل أكثر من فرد واحد؛ وما دامت
المبادرة تأتي من الطرفين معا. فالتواصل حوار يتبادل فيه الطرفان الحديث في
دورة الكلام، حيث يكون أحد الطرفين مرسلا والثاني متلقيا، وعندما يرد
الثاني بالموافقة أو الاختلاف يصير مرسلا والمرسل أولا، يصير متلقيا.وهذا
ما يفيده الفعل : يتحاورون أي يتراجعون الكلام4 . 1- 2 المعنى الاصطلاحي :
تعد كلمة اتصال أو تواصل حديثة العهد نسبيا، فعلى غرار العديد من المصطلحات
التي تستمدها العلوم الإنسانية و الاجتماعية من العلوم الطبيعية، نجد
تعريفات مختلفة لمفهوم الاتصال أو التواصل. كما أن مقاربات الظاهرة
الاتصالية متعددة 5 . و لذلك نكتفي بذكر بعض التعاريف : - " التواصل هو
الميكانيزم الذي توجد بواسطته ، العلاقات الإنسانية و تتطور ، إنه يتضمن كل
رموز الذهن مع وسائل تبليغها و تعزيزها في الزمان ... و يستلزم ذلك النقل،
من جهة ، وجود شفرة ، و من جهة ثانية ، تحقيق عمليتين اثنتين :
ترميزالمعلومات (encodage) و فك الترميز (Décodage) مع ضرورة الأخذ بعين
الاعتبار طبيعة التفاعلات التي تحدث أثناء عملية التواصل ، و كذا أشكال
الاستجابة للرسالة و السياق الذي يحدث فيه التواصل"6 . - " التواصل هو
تبادل المعلومات و الرسائل اللغوية و غير اللغوية ، سواء كان هذا التبادل
قصديا أو غير قصدي ، بين الأفراد و الجماعات"7 . نستشف من الدلالتين،
اللغوية و الاصطلاحية أن التواصل ليس مجرد تبليغ المعلومات بطريقة خطية
أحادية الاتجاه، و لكنه تبادل للأفكار و الأحاسيس و الرسائل التي قد تفهم
وقد لا تفهم بنفس الطريقة من طرف كل الأفراد المتواجدين في وضعية تواصلية8 .
1- 3 مفاهيم أخرى : يستتبع الحديث عن التواصل إثارة العديد من المفاهيم
التي تحيل إلى مفهوم التواصل، من حيث الحقل الدلالي أو من حيث الجذر، ومن
هذه المفاهيم: 1-3-1 الإعـلام : إنه عملية نقل المعلومات عبر قنوات مختلفة
كالراديو والتلفزة والصحافة وغيرها... 1-3-2 السيبيرنطيقا : هي مبحث يهتم
بتنظيم الآلة ومراقبتها بطريقة تؤدي إلى المراقبة الذاتية لاشتغالها وفق
الإشارات التي تدل على سير العمليات وترتيبها.كما أن هذه الآلة تكون خاضعة
لنظام التغذية الراجعة.9 1-3-3 : الاتصـال : نظرا إلى صعوبة التمييز بين
الاتصال والتواصل في اللغة الفرنسية ، فإنني اقترح تسمية الاتصال بـ la
communication ، والتواصل بـ intercommunication ، وذلك رغم أن البعض يضفي
على الاتصال صفة التفاعل والتشارك بين المرسلين و المستقبلين للخطاب في
وضعيات و سياقات اجتماعية محددة 10. 1-3-4 العلاقة : إن العلاقة (
relation) ليست هي الرابطة ( rapport) في اللغتين الفرنسية و العربية . و
قد تحدث كثير من الباحثين عن العلاقات التربوية، و العلاقات المدرسية
والعلاقات البيداغوجية11. إن العلاقات بين الأفراد و الجماعات لا يمكن
إقامتها بدون تواصل. و في هذا السياق، يرى جان لوهيس J . Lohisse " أن
الفصل بين التواصل و العلاقات الإنسانية فصل تعسفي و اصطناعي إذ إنهما، على
مستوى الوجود و معطيات العيش، لا يمثلان سوى شيء واحد " 12. كما يرى
مارسيل بوستيك أن العلاقة البيداغوجية لا تصير علاقة تربوية إلا بجعل كل
الأطراف منخرطين في لقاء واتصال يكتشف فيه المتواصلون بعضهم البعض الآخر، و
تنشأ فيه ظاهرة إنسانية يحس فيها الصغير بأنه يتجه نحو الكبير. 1-3-5
الحوار : إن المفهوم الذي تؤديه هذه الصورة السمعية التي يسميها فرديناند
دي سوسور بالدال ، هو مفهوم يدل، منذ الوهلة الأولى، على التشارك و التفاعل
و التبادل. و عندما يستعمل اللفظ على وزن تفاعل و مفاعلة، يفيد التواصل.
فقد جاء في لسان العرب : تحاوروا بمعنى تراجعوا الكلام، فحينما يحاور
الإنسان نفسه أو غيره نقول بأنه يتواصل مع نفسه أو مع الآخرين13. وتعد
حوارية: Dialogiqueجوليا كريستيفا، و ميخائيل باختين و إدغار موران.... و
آخرين نموذجا لتواصل فعال بين النصوص، و الأشخاص، ببن الانخراط في مشروع
الحداثة والديمقراطية و العولمة و نوستالجيا الحفاظ على الهوية و
الانتماءات العرقية والتقاليد المحلية. و أخيرا التواصل بين الأستاذ و
التلاميذ بطريقة تحاكي الكرنفالية . 2 - أنماط التواصل ومكوناته 2-1 أنماط
التواصل 2-1-1 التواصل مع الذات : " يعني وعي الفرد لذاته و علاقاته
بالعالم المحيط به، و كذلك قدراته و حدوده، و جوانب قوته وضعفه، وبما قد
يعيق انطلاق طاقاته 14". و قد ذهب الباحث نوتان ( Nuttin J) إلى القول بأن
الوعي هو الحضور الفوري للعالم ذاته، ذلك الحضور الذي يؤدي إلى تمكين الفرد
من إدراكه لنفسه و كذلك في اتصالها بالعالم15 2-1-2 التواصل بين الفرد
والآخرين: إن إدراك الفرد لذاته ووعيه لقدراته مرتبطان بإدراكه للآخرين. 2-
1-3 التواصل بين الجماعات الاجتماعية : يعد الفصل الدراسي عالما مغلقا لا
يمكن النفاذ إليه بطريقة واحدة، و لذلك فإن التواصل بين أفراد المجموعة
الدراسية يقتضي التحاور و التشارك و الاختلاف و تعدد الطرائق البيداغوجية .
إن المدرس مطالب بتحويل قسمه إلى جماعة منتمية يكون فيها لدى كل فرد الحس
التشاركي التعاوني، و ذلك باعتماد بيداغوجية فارقية و طرائق تعاونية
كدينامية الجماعات التي تسهل عملية التواصل العمودي و الأفقي.
ي